أصبح المشروع الشخصي للمتعلم اليوم أحد المحاور الأساسية في المنظومة التربوية المغربية، لأنه يساعد المتعلم على بناء تصور واضح لمساره الدراسي والمهني، واتخاذ قرارات واعية ومسؤولة حول مستقبله. فبدل أن يبقى التوجيه قرارا لحظيا في نهاية السنة الدراسية، أصبح سيرورة مستمرة ترافق المتعلم منذ المراحل الأولى من مساره الدراسي، عبر أنشطة، ومواكبة، ودعم، وشراكات داخل مشروع المؤسسة.
تعريف المشروع الشخصي للمتعلم
يمكن تعريف المشروع الشخصي للتلميذ بشكل مبسط على أنه سيرورة تربوية متجددة ينخرط فيها المتعلم من أجل تحديد هدف مهني أو دراسي يطمح إلى تحقيقه، عبر التعرف على ذاته، واكتشاف إمكانات الدراسة والتكوين، ومعرفة المهن، ثم اختيار المسارات الدراسية والتكوينية المناسبة ووضع خطة شخصية للوصول إلى هذا الهدف، مع التفكير في بدائل أخرى عند الحاجة.
ووفق القرار الوزاري المتعلق بالتوجيه المدرسي والمهني، فهو يرتكز على ثلاث ركائز أساسية:
- تحديد هدف مهني أو دراسي واقعي ينسجم مع قدرات وميولات المتعلم.
- اختيار المسارات الدراسية والتكوينية المؤدية إلى هذا الهدف.
- وضع خطة عمل شخصية تتضمن خطوات، وآجالا زمنية، واختيارات بديلة.
📖 اطلع أيضا على:
👈 نماذج مباراة التوجيه والتخطيط التربوي
أهدافه وأهميته
لا يقتصر المشروع الشخصي للمتعلم على ملء استمارة أو اختيار شعبة دراسية، بل هو عملية تربوية شمولية تهدف إلى تطوير شخصية المتعلم في أبعادها المعرفية، والمهارية، والحياتية. ويمكن إبراز أهم أهداف وأهمية المشروع الشخصي كالتالي:
- تنمية معرفة المتعلم بذاته: عبر التعرف على نقاط القوة والضعف، والميولات، والقدرات، والحالة الصحية والاجتماعية.
- تيسير عملية الاختيار الدراسي والمهني: من خلال تزويد المتعلم بالمعلومات الضرورية حول المسالك الدراسية، والتكوينات، والمهن.
- مكافحة الهدر والتعثر الدراسي: عندما يكون الاختيار مبنيا على مشروع واضح، تقل احتمالات الفشل أو تغيير المسار بشكل عشوائي.
- ترسيخ الاستقلالية وتحمل المسؤولية: إذ يتعلم المتعلم التخطيط، واتخاذ القرار، وتحمل نتائجه.
- الاندماج الإيجابي في الحياة المدرسية والجامعية والمهنية: من خلال بناء مسار متدرج ومواكب نحو سوق الشغل.
بهذا المعنى، فهو يصبح أداة عملية لتحسين جودة التعلمات، وتحقيق الملاءمة بين قدرات المتعلمين وحاجيات المجتمع وسوق الشغل.
مراحل بنائه
يمر بناء المشروع الشخصي للمتعلم بعدة مراحل مترابطة، تبدأ من الاستكشاف العام، وتنتهي بالتخطيط والإنجاز الفعلي للمسار الدراسي والمهني. ويمكن تلخيص هذه المراحل في أربع محطات كبرى:
1) مرحلة الاستكشاف
في هذه المرحلة يعمل المتعلم على تجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول:
- الذات: القدرات، الميولات، الحالة الصحية والاجتماعية، الاهتمامات، الطموحات.
- إمكانات الدراسة والتكوين: المسالك الدراسية، الشعب، شروط الولوج، مدة الدراسة، الشهادات والدبلومات.
- المهن: مجالات المهن، المهن الواعدة، ظروف العمل، آفاق التطور، حاجيات سوق الشغل.
يعتمد المتعلم في هذه المرحلة على مصادر متنوعة: الأستاذ(ة)، المستشار(ة) في التوجيه التربوي، مراكز الإعلام والمساعدة على التوجيه، الزيارات الميدانية، الإنترنت، وأفراد العائلة.
2) مرحلة التبلور (البلورة)
بعد جمع المعلومات يبدأ المتعلم في تنظيمها وتصنيفها:
- البحث عن الروابط بين التكوينات والمهن.
- تصنيف الإمكانات إلى مجموعات (علمية، أدبية، مهنية...).
- ترتيب هذه الإمكانات حسب الأفضلية والانسجام مع ميولاته وقدراته.
هنا يبدأ التصور الأولي للمشروع الشخصي للمتعلم في التشكل، حيث تتحدد مجموعة من الخيارات الممكنة بدل خيار واحد مبني على الرغبة فقط.
3) مرحلة التخصيص
في هذه المرحلة يقارن المتعلم بين الإمكانات المتاحة ويختار المسار الدراسي أو التكويني الأنسب له، مع التفكير في اختيارات بديلة. وتشمل هذه المرحلة:
- مقارنة المسارات من حيث الشروط، والمدة، والآفاق المهنية.
- اختيار المسار الذي ينسجم مع نتائجه الدراسية، وقدراته، وميولاته.
- صياغة هدف مهني/دراسي رئيسي، وأهداف أو اختيارات بديلة.
4) مرحلة التخطيط والإنجاز
هي المرحلة التي يتحول فيها المشروع الشخصي للمتعلم إلى خطة عمل عملية، وتتضمن:
- تحديد خطوات واضحة (قصيرة، متوسطة، طويلة المدى) للوصول إلى الهدف.
- تحديد الموارد المطلوبة: دعم تربوي، معلومات إضافية، مهارات لغوية أو رقمية...
- توقّع الصعوبات والمخاطر المحتملة، ووضع حلول بديلة لمواجهتها.
يواكب المتعلم في هذه المرحلة كل من الأساتذة، والأستاذ الرئيس، والإدارة التربوية، والمستشار في التوجيه، لضمان تنفيذ المشروع الشخصي في إطار مشروع المؤسسة المندمج.
أدوار الفاعلين التربويين في مواكبة المشروع الشخصي للمتعلم
نجاح المشروع يتطلب انخراط جميع الفاعلين التربويين داخل المؤسسة التعليمية، وفق أدوار متكاملة:
- هيئة التدريس: دعم المتعلمين دراسيا، رصد تعثراتهم، تنمية كفاياتهم، وإدماج بعد التوجيه في الدروس والأنشطة الصفية والمندمجة (اللاصفية).
- الأستاذ الرئيس: مواكبة فردية وقريبة للمتعلمين، تتبع نتائجهم، مساعدتهم على بلورة المشروع الشخصي، وتعبئة ملف التتبع.
- المستشار في التوجيه التربوي: تقديم خدمات الإعلام المدرسي والمهني والجامعي، تنظيم حصص ولقاءات للإرشاد، ومساعدة المتعلمين على توضيح اختياراتهم.
- الإدارة التربوية: توفير بيئة مدرسية مواكبة، تنسيق الأنشطة والخدمات، تتبع تنفيذ مشروع المؤسسة المندمج الذي يدمج المشروع الشخصي للمتعلمين.
- الأسرة والشركاء: تشجيع المتعلم، دعمه نفسيا وماديا، والانخراط في الأنشطة التي تنظمها المؤسسة حول التوجيه والمهن.
مراجع يمكن الرجوع إليها للتعمق أكثر
👈 المذكرة الوزارية رقم 106-19 الخاصة بإرساء المشروع الشخصي للتلميذ معاينة المذكرة👈 وثيقة "مشروع المؤسسة المندمج – مكون التوجيه نموذجا" (عبد العزيز سنهجي) الوثيقة الرسمية
👈 دليل "المشروع الشخصي للمتعلم" الصادر عن وزارة التربية الوطنية مشاهدة الدليل
👈 عرض "المشروع الشخصي للتلميذ(ة)" – إعداد الأستاذ عبد الله صبري الاطلاع على العرض
إرشادات عملية للأساتذة لدعم المتعلمين في بناء مشروعهم الشخصي
يلعب الأستاذ دورا محوريا في مواكبة المتعلمين خلال مراحل المشروع الشخصي للتلميذ، ويمكن تعزيز هذا الدور من خلال الإرشادات العملية التالية:
- تشجيع المتعلمين على التعرف الواقعي على ذواتهم: ساعد المتعلم على تقييم قدراته، ميولاته، ونقاط القوة والضعف بموضوعية عبر أنشطة تشخيصية واستبيانات بسيطة.
- تيسير طلب المعلومة: وجّه المتعلمين إلى كيفية طرح الأسئلة المناسبة، مع توفير مصادر معلومات موثوقة مرتبطة بالمسارات الدراسية والمهنية.
- إغناء معرفة المتعلم بالمهن والتكوينات: اعتمد على وثائق رسمية، مقاطع فيديو تربوية، أو تنظيم حصص ميدانية مصغرة داخل القسم لشرح المهن ومساراتها.
- تفعيل الأنشطة الصفّية والمندمجة: استثمر الأنشطة التطبيقية والورشات البحثية التي تتيح للمتعلمين فرصة ربط التعلمات بآفاقهم الدراسية والمهنية.
- مساعدة المتعلمين على التخطيط المرن: شجعهم على وضع هدف رئيسي وخيارات بديلة، مع مناقشة معايير اتخاذ القرار الدراسي بطريقة مبسطة.
- تنمية الكفايات الحياتية لدى المتعلم: ساهم في تطوير مهارات التواصل، العمل الجماعي، حل المشكلات، والبحث الذاتي، باعتبارها مهارات مركزية لبناء مشروع شخصي ناجح.
أسئلة شائعة
هل المشروع الشخصي للمتعلم خاص بالتعليم الثانوي فقط؟
المشروع الشخصي يبدأ بشكل مبكر منذ التعليم الابتدائي عبر أنشطة الاستئناس بالمهن والتعريف بالذات، ويتطور تدريجيا في التعليم الإعدادي والتأهيلي حيث يأخذ شكلا أكثر دقة وتنظيما، خاصة عند اختيار الشعب والمسالك الدراسية والتكوينية.
هل يفرض المشروع الشخصي للتلميذ مسارا واحدا لا يمكن تغييره؟
لا، ففلسفة المشروع الشخصي تقوم على المرونة ووضع اختيارات بديلة. قد يغير المتعلم مساره إذا تبين له، بعد التجربة والمعطيات الجديدة، أن خيارا آخر أنسب لقدراته وظروفه.
كيف يستفيد المتعلم من مشروع المؤسسة في تطوير مشروعه الشخصي؟
مشروع المؤسسة المندمج يوفر أنشطة، وخدمات دعم، ومواكبة تربوية ونفسية، وبرامج للتوجيه والإعلام، كلها مصممة لمساعدة التلميذ على صياغة وتحيين مشروعه الشخصي. وكلما انخرط في هذه الأنشطة بجدية، كانت رؤيته للمستقبل أوضح.
خاتمة
في النهاية، يعتبر المشروع الشخصي للمتعلم ركيزة أساسية لنجاح المتعلم دراسيا ومهنيا، لأنه يمنحه رؤية واضحة لمستقبله، ويشجعه على تحمل المسؤولية، ويسهم في تحسين جودة التعلمات داخل المدرسة المغربية. وهو ليس وثيقة تملأ مرة واحدة، بل سيرورة حية تتجدد تبعا لتطور شخصية المتعلم، واكتسابه للمعارف والكفايات الجديدة، وتغير معطيات الواقع الدراسي والمهني.